وجهه اعتاد الكثيرون أن يشاهدوه، ذلك الشخص الذى اعتاد الوقوف يومياً بين عشرات السيارات ومئات المارة، بزيه البسيط الذى تبرز منه شارة واضحة كتب عليها «سكك حديد مصر»، يضع السلسلة الحديدية عند قدوم القطارات، ويتدخل أحياناً كثيرة لتنظيم السيارات العابرة للمزلقان، من خلال صافرة لا تغادر فمه، إنه «مصطفى محمد»، الرجل الخمسينى عامل مزلقان «منفلوط» بمحافظة أسيوط، المهدد بأن يصبح متهماً إذا وقع حادث قطار.
العشوائية والزحام الشديد يفرضان سطوتهما على المنطقة المحيطة بالمزلقان، ما يزيد من صعوبة تحكم العامل فى حركة المارة والسيارات معاً، بالإضافة إلى قرب المزلقان من موقف ميكروباصات، ما يؤدى إلى وقوع العشرات من الحوادث، خاصة أن أغلب المارة لا يلتزمون بالوقوف عند سماع أجراس السيمافور التى تسبق قدوم القطار بدقائق معدودة، الأمر الذى يزيد من صعوبة عمل عامل المزلقان.
ساعات عمله التى تتعدى ١٢ ساعة لم تشفع له عند رؤسائه من توفير استراحة نظيفة له تلائم طبيعة عمله الصعبة فى مراقبة القطارات القادمة من محطة مصر متجهة إلى محافظات الصعيد أو العكس. عم مصطفى، خفير المزلقان المسؤول وحده عن حياة المئات من أرواح المواطنين يجلس فى كشك صغير يقع على رأس المزلقان، يحرص على غلقه بقفل محكم، لأنه يضع به عهدة المحطة من مفاتيح صناديق الكهرباء التابعة للمزلقان، ويقضى فيه ساعات عمله فى شمس النهار المحرقة وبرودة الشتاء القارسة.
يحكى عم «مصطفى» عن صعوبة عمله قائلاً: «مفيش يوم يعدى إلا وتحصل 100 خناقة على المزلقان، فأنا أشتغل فى السكة الحديد منذ 26 سنة، إلا أننى أعانى المرّ هذه الأيام بسبب الغياب الأمنى ومرور سيارات ودراجات بخارية لا تحمل لوحات معدنية، والتى ترفع سلسلة المزلقان رغما عنى، وأقف أمامهم عاجزا ومكتوف اليدين، وأتحمل وحدى عاقبة وقوع حوادث على المزلقانات».
«المانافيلا» هو تليفون بدائى خاص بالهيئة، ووسيلة الاتصال الوحيدة بين خفير المزلقان وملاحظ البلوك، فمن خلاله يتلقى أمرا من ملاحظ البلوك بغلق المزلقان قبل عبور القطار بعشر دقائق، وانقطاع الحرارة عن التليفون يضطر «مصطفى» إلى الاتصال بملاحظ البلوك عبر هاتفه الشخصى خوفا من وقوع الحوادث بسبب عدم غلق المزلقان، وقال «مصطفى»: «أنا بخاف أروح الشغل وألاقى تليفون الهيئة عطلان، علشان كده بحرص على شحن تليفونى المحمول من جيبى الشخصى وأستخسر أكلم زوجتى وأولادى علشان أكلم ملاحظ البلوك كل شوية وأطمن على قدوم القطار من عدمه». على يمين مزلقان «منفلوط» تقع غرفة أنشأتها هيئة السكة الحديد بعد حادث اصطدام قطار أسيوط بأتوبيس الأطفال العام الماضى لوضع جهاز الكمبيوتر بداخلها بغرض تطوير المزلقان والتحكم فيه من خلال البوابات الإلكترونية، إلا أنه مر عام حتى الآن ولم يضع فيها جهاز واحد، وهو الأمر الذى علق عليه «مصطفى» بأن بناء الغرفة مجرد إجراء لامتصاص غضب الشارع وقت الحادث. يحلم «عم مصطفى» بتطوير مزلقانات السكة الحديد بالإشارات الإلكترونية والاستغناء عن السلسلة الحديدية، ليس بهدف راحته فقط، وإنما للحد من الحوادث التى تقع بشكل يومى، لأن السلسلة الحديدية تمنع مرور السيارات فقط، ولا تمنع أصحاب الدراجات البخارية من العبور، كذلك لا تمنع قفز المواطنين، خاصة الطلبة والأطفال.
