بدأ مشاركا في ثورة يوليو.. وانتهي مساندا للفساد
كتب محمد المنايلي:
عمال مصر هم صمام الأمان لهذا الوطن واليد التي تبني وتعمر إلا انها تعرضت لانتصارات وإخفاقات أثرت في مسيرتها علي مدار العقود السابقة في عهد الزعيم جمال عبدالناصر حقق عمال مصر انتصارا تاريخيا عندما اتخذهم طليعة لحركات التحرير ووضع شعار الدولة تعبيرا عنهم وهو تحالف قوي الشعب العامل واضعا العمال في صدر المشهد السياسي فكانوا الذراع اليمني له وكافأهم مرة أخري بأن خصص لهم مع الفلاحين نصف المجالس النيابية والمحلية بالدستور إلا انهم في الثلاثين عاما الماضية حولتهم القيادات الفاسدة إلي هتيفة لمبارك.
زعيم العمال
عاش عمال مصر عصرهم الذهبي في الحقبة الناصرية عقب قيام ثورة 23 يوليو لمساندتهم للضباط الأحرار واتخذت منهم الثورة شعار المرحلة "تحالف قوي الشعب العامل" واستعان بهم عبدالناصر في دعم القضايا الرئيسية كتأميم قناة السويس وجلاء القوات البريطانية ووقف العمال بجانبه في مواجهة فلول العهد الملكي والمتربصين بالثورة الوليدة وكان رد الجميل من عبدالناصر هو منحهم مكاسب دستورية وقانونية ومالية في مقدمتها تخصيص 50% علي الأقل من مقاعد المجالس النيابية والمحلية للعمال والفلاحين ولم يستطع أي حاكم أو مسئول الاقتراب من هذه النسبة رغم الاعتراضات الكثيرة عليها فكانت أهم مكاسب العمال في تاريخهم بسبب مواقفهم الشجاعة.
تحرك العمال عندما أعلن عبدالناصر تنحيه عن الحكم عقب هزيمة يونيو 67 فخرجوا مع جموع الشعب رافضين قرار التنحي ومطالبين باستمراره في قيادة البلاد.
نواة التصحيح
وفي سبتمبر 1970 تولي السادات رئاسة البلاد وبدأ شرعيته من اتحاد العمال وألقي خطابه الشهير الذي تعهد فيه باستمرار مكاسب العمال طالبا دعمهم له واستجاب لمطالبهم بالقضاء علي ما وصفهم بمراكز القوي فكانت النواة الأولي لثورة التصحيح واستمرت حالة الوئام بين السادات والعمال حتي قام السادات بزيارته التاريخية للقدس ووقع اتفاقية كامب ديفيد التي اعترض عليها العمال ورفض سعد محمد احمد رئيس الاتحاد في ذلك الوقت الذهاب مع السادات إلي القدس مما يؤكد تعظيم دور عمال مصر في صناعة القرار المصري.
الانبطاح
سجلت ال 30 عاما الماضية تراجعا شديدا في مسيرة اتحاد العمال في ظل القيادات انبطحت أمام نظام مبارك وتخلت عن شعار "ارفع رأسك يا عامل" وتحولت أعياد العمال طوال هذه الفترة إلي وصلات نفاق لمبارك تمجد في شخصه واعجازه في حكم البلاد دون التطرق لمشاكل وأنين العمال في مختلف القطاعات دون أن ينظر إليهم أحد.
في عهد السيد راشد الذي كان عاملا بشركة فستيا للملابس الجاهزة وتم تصعيده فجأة رئيسا لاتحاد العمال.. تراجع دور أكبر اتحادات مصر الذي يزيد عدد أعضائه عن 5 ملايين عامل بشكل كبير ولم يتخذ أي موقف تجاه القضايا العمالية التي تهدد مستقبل العمال وكان ينحاز انحيازا كاملا للحكومات المتعاقبة التي كانت تنال من حقوق العمال.
الخصخصة.. وضحاياها
كانت أبرز القضايا هي الخصخصة التي تبناها الدكتور عاطف عبيد وزير قطاع الأعمال ورئيس الوزراء الأسبق وكان أول ضحاياها هم العمال وتحول برنامج الخصخصة إلي قطار بدون سائق يدهس كل من يقف أمامه وكان الأولي باتحاد العمال أن يخوض معركة شرسة لإيقاف هذا القطار الأهوج إلا ان راشد أدار ظهره للعمال واختار ركوب القطار بدلا من ايقافه واشمأز العمال من خطب راشد في عيد العمال التي انصبت علي مديح الرئيس وتقديم قرابين العمال له وهم ينتظرون للتصفيق من أجل الحصول علي المنحة التي كان يمن عليهم مبارك بها.
في أواخر عهد راشد ازدادت مخالفات الاتحاد المالية وتولت احدي قائدات الاتحاد منصب وزير القوي العاملة وظن راشد ان الأمر استقر له ولكن سرعان ما انقلبت الوزيرة علي راشد بعد تأكدها من وجود مخالفات وفي النهاية اجبرت راشد علي الرحيل بهدوء مقابل عدم فتح الملفات القديمة.
وفي نهاية 2005 تم اختيار حسين مجاور أمين الصندوق وأحد تلاميذ كمال الشاذلي في الحزب الوطني رئيسا للاتحاد خلفا لراشد واستبشر العمال به خيرا في البداية ولكن سرعان ما دخل في صراع مع الوزيرة بلغ ذروته عندما كان يجاهر بالعداء لها وعدم الانصياع لأوامرها.
وشهد عهد مجاور أكبر كوارث عمالية بدءا من اضراب عمال المحلة الكبري وانفجار العمال في أكبر حادث عصيان مدني بسبب تعسف محمود محيي الدين وزير الاستثمار في ذات الوقت ثم هروب المستثمرين الذين لهفوا الشركات والمصانع في برنامج الخصخصة وتركوا العمال للمصير المجهول.
وسجلت مصر في عهده أكبر موجة اعتصامات واضرابات للعمال وصلت إلي أسوار مجلس الشعب دون أن يحرك مجاور ساكنا وحول مجاور الاتحاد إلي أمانة للحزب الوطني وتصدي لاستخراج شهادات الصفة العمالية للمرشحين المستقلين والمعارضة لأسباب واهية رغم انطباق الشروط عليهم بينما اصدر أوامره باستخراج هذه الشهادات لمرشحي الحزب الوطني الفاسد حتي وان لم تنطبق عليهم الشروط.
انتصارات
سألنا كمال أبوعيطة رئيس اتحاد عمال مصر المستقل عن رؤيته في دور العمال منذ قيام ثورة يوليو حتي الآن فقال ان ثورة 23 يوليو انتصرت للعمال والفلاحين فقامت بتوزيع الأراضي عليهم ونالوا حقهم في الأرباح وأصبحوا ممثلين في مجالس الإدارات وفي المجالس النيابية مع الفلاحين بنسبة 50%.
أضاف: كان الزعيم عبدالناصر يحترم قيمة العمل ويقدر العامل بل ويقدسه لذلك كان نصف الدخل القومي يذهب للأجور وكان ينحاز للعامل وكان ضد سيطرة رأس المال وأصحاب الأعمال.
وتحول التنظيم النقابي في عهده إلي خدمي ومساند للدولة لأن قرارات عبدالناصر كانت لصالح العمال انصافا لهم وقرر اختيار وزراء القوي العاملة من العمال لرفعة شأنهم.
أضاف ان السادات تحول للعكس منذ صدور أول قانون برقم 43 لسنة 74 بشأن استثمار المال العربي والأجنبي "الانفتاح الاقتصادي" فقد أدار النظام ظهره للعمال وانتصر لرأس المال وخرجت القوانين لصالح أصحاب الأعمال المستثمرين وأهملت العامل.
وفي عصر مبارك تم إعدام العامل باحتلال رجال الأعمال مجالس الحكم فأهدورا حق العامل وأغلقوا المصانع وهدموا الكيانات الاقتصادية الكبري عن طريق الخصخصة لدرجة سيطرتهم علي اتحاد العمال الذي بارك إهدار دم العمال وتركهم فريسة للمستثمرين ورجال الأعمال.
ضمانات.. ضاعت
ومن جانبه أكد السيد حنفي أمين العمال بالحزب الناصري ونائب رئيس النقابة العامة لأصحاب المعاشات المستقلة ان عبدالناصر انتصر للعامل والفلاح ووضع 3 ضمانات للعامل المصري شعرنا بعدها بأن العامل هو سلاح الوطن.. الأولي ضمانة قانونية حيث قام بوضع تشريعات تحدد العلاقة بين العامل وصاحب العمل والثانية ضمانة التأمينات الاجتماعية والتي حافظت علي حقوق العمال وجعلته يعيش آمنا.. الضمانة الثالثة النقابية التي تحافظ علي حقوق العامل وتقدم له الرعاية الكاملة.
قال مع رحيل عبدالناصر وقدوم السادات شعرنا بأن حق العامل المصري في طريقه للنسيان حيث اتخذ السادات قرارا أصاب العامل في مقتل حيث فتح الباب للمستثمرين وتبدلت القوانين وأصبحت لصالح طبقة رجال الأعمال مع الاعتذار للطبقة العاملة.
عميل النظام
وفي عهد مبارك بلغ اهمال مصالح العمال ذروته بالاتفاق مع اتحاد عمال مصر الذي أصبح عميلا للنظام وأهدر حقوق العمال وتركهم فريسة لقطار الخصخصة الذي دهسهم وأطالب الحكومة بمحاكمة بقية رموز النظام المباركي المتمثل في أعضاء الاتحاد القابع منذ 30 سنة علي رأس الكيان المؤسسي المحترم وأدعو لانتخابات شفافة تأتي بوجوه جديدة تحافظ علي وحدة العمال واستقلالهم.
