مصلحة مصر أولا» هذا هو الشعار الذي رفعه سامي عنان في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية التي تدفعها اسرائيل للضغط علي مصر من أجل تحقيق العديد من المصالح إلا أنه يصمد في كل مرة الأمر الذي يثير القلق في إسرائيل الذي ازداد بعد الثورة المصرية التي اعلنت عن عهد جديد في مصر يرفض أي ضغوط او تدخلات من أي دولة اجنبية حتي لو كانت الولايات المتحدة نفسها ولعل اكبر مثال علي ذلك قضية الجاسوس الإسرائيلي إيلان جرابيل الذي يحمل الجنسيتين الامريكية والإسرائيلية فقد حدث زلزال في إسرائيل فور الإعلان عن القبض علي جرابيل إلا ان إسرائيل أنكرت صلتها به خوفا من زيادة التوتر في العلاقات المصرية الإسرائيلية ولكن لأن الموساد لا يستطيع أن يترك عملاءه للاعتقال بهذه السهولة حاولت إسرائيل استغلال الجنسية الأمريكية لجرابيل لدفع الولايات المتحدة للضغط علي مصر من أجل تحريره و بسرعة إلا أن هذه الضغوط الأمريكية لم تسفر عن شيء.
فقد نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عن مصادر أمريكية قولها، إن الولايات المتحدة قامت بجهود لإطلاق سراح جرابيل بعد أسبوعين من اعتقاله بالقاهرة، و طلب رئيس الأركان الأمريكي من مصر الإفراج عنه بشكل عاجل وفوري، مشيرة إلي أن هذا الاتصال يأتي في إطار الضغوط الأمريكية علي مصر من أجل إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي الذي اعتقل في 12 يونيو بأحد فنادق القاهرة.
وأضافت المصادر الأمريكية، أن مولن قام بالاتصال منذ أيام بسامي عنان رئيس أركان الجيش المصري طالبا منه العمل علي إطلاق سراح جرابيل، موضحة أن تلك الخطوة ذات أهمية كبري لأنها تحمل رسالة للقاهرة ليس لها سوي معني واحد، وهو أن عدم إطلاق سراحه حتي الآن من شأنه التأثير بشكل كبير علي العلاقات بين القاهرة وواشنطن.
بينما أجاب عنان علي المطلب الأمريكي بقوله، إنه لا يستطيع التدخل في شأن قضائي وقانوني مثل هذا، الأمر أصاب الأمريكيين بخيبة أمل فعلي ما يبدو أن الولايات المتحدة كانت تعول كثيرا علي علاقتها الطيبة برئيس الأركان المصري سامي عنان وتصورت انه قد ينحاز لمطالبها إلا أنه لم يستجب مفضلا أن تأخذ القضية مسارها الطبيعي الذي يتوافق مع القوانين المصرية التي حاول جرابيل خرقها.
وجدير بالذكر ان هذه ليست المرة الاولي التي يتسبب فيها عنان بإصابة الأمريكيين والإسرائيليين بخيبة الامل منذ ان تولي المجلس العسكري السلطة في مصر وأصبح عنان لاعبا أساسيا في رسم السياسة المصرية الجديدة تجاه الدول الخارجية بشكل عام وقد كانت المرة الاولي والتي أحدثت صدمة داخل إسرائيل عندما وجه عنان تهديدا واضحا لإسرائيل بعدم التدخل في قرار فتح معبر رفح حيث يعد هذا الأمر شأنا مصريا معلنا عن انحراف شديد في السياسة المصرية من وجهة نظر إسرائيل التي اعتادت أن تكون مصر في عهد النظام السابق الدولة الصديقة التي تحافظ علي علاقتها بإسرائيل والولايات المتحدة وكانت التقديرات الإسرائيلية تشير إلي استمرار العلاقات بين مصر من ناحية وإسرائيل و الولايات المتحدة من ناحية أخري مع وجود سامي عنان بالمجلس العسكري حيث أشارت جريدة معاريف إلي أن عنان حرص منذ توليه منصب رئيس الأركان علي إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة والغرب وجمعت بينه وبين قادة الاركان في الدول الغربية والولايات المتحدة علاقة طيبة كما اشارت إلي العلاقة الجيدة التي ربطت عنان برئيس الأركان الإسرائيلي السابق جابي إشكنازي إلا أن الوقت أثبت ان هذه التقديرات الإسرائيلية ليس لها أي أساس من الصحة وأن عنان لن يحرص علي علاقته بالولايات المتحدة وإسرائيل في مقابل التنازل عن مصلحة بلاده.
ومع ذلك فقد أكدت المصادر الأمريكية استمرار الاتصالات بشأن جرابيل ، مشيرة إلي أنه من المحتمل قيام روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي بالاتصال بالمشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليطلب منه إطلاق سراح جرابيل، باعتباره ـ كما أكد الأمريكيون ـ مواطنًا أمريكيًا بكل ما في الكلمة من معني لا مواطنًا إسرائيليًا، وأنه بسبب الأهمية الكبري التي تعطيها واشنطن لإطلاق سراحه، فإنها ستتخذ خطوات غير مسبوقة بالتوجه للقاهرة فيما يتعلق بالأمر.
وذكرت الصحيفة أن هناك حالة من الانزعاج تسود إسرائيل لعدم انتهاء القضية، وتقوم تل أبيب علاوة علي واشنطن بضغوط علي النظام المصري بهدف إطلاق سراح جرابيل لكن دون جدوي.
الغريب في الأمر أن الولايات المتحدة لم تهتم بأمر جرابيل كثيرا في بداية الإعلان عن القبض عن جرابيل و قد نقل موقع جلوبس الإسرائيلي تصريحا لمارك تونرالمتحدث الرسمي بإسم البيت الابيض أكد فيه انه لا شان للولايات المتحدة بهذا الأمر وان دور الولايات المتحدة في هذه القضية لا يتعدي متابعة ما يجري بها من تطورات والانتظار لمعرفة ماستسفر عنه تحقيقات النيابة المصرية لكن يبدو أن هذا التغير في موقف الولايات المتحدة جاء نتيجة لمطالب إسرائيلية فقد أشار موقع واللا الإسرائيلي إلي أن إسرائيل قد توجهت للولايات المتحدة لمعرفة ما إذا كانت الحكومة الأمريكية ستتعامل مع القضية علي إعتبار أنها قضية مواطن أمريكي أم لا فيما تعد هذه الخطوة إشارة واضحة علي رغبة إسرائيل في تدخل الولايات المتحدة في الأمر بشكل رسمي بعد أن أثارت قضية جرابيل حالة من الغضب داخل الاوساط الامنية في إسرائيل التي تري أن اعتقال مواطن إسرائيلي بسبب اتهامه بالتجسس والإضرار بالأمن المصري أمر بالغ الخطورة لاسيما في هذا التوقيت وقد أشار موقع دبكا إلي وجود اتصالات علي أعلي مستوي تتم بين الولايات المتحدة وإسرائيل وعلي الرغم من ان اسرائيل لم تعترف حتي الان بأن إيلان جرابيل المتهم بالتجسس علي مصر لصالح الموساد الإسرائيلي مواطن إسرائيلي وعلي الرغم من ان مصر وفقا للمصادر الإسرائيلية لم تتوجه بخطاب رسمي لإسرائيل يفيد بأن مواطنا إسرائيليا تم القبض عليه من قبل السلطات المصرية إلا أن القضية حظيت باهتمام كبير من قبل الإعلام الإسرائيلي الذي أعد هذا الاتهام من الجانب المصري في غاية الخطورة و يهدد بمزيد من التوتر في العلاقات بين مصر وإسرائيل الأمر الذي أقلق إسرائيل وأعطي القادة الإسرائيليين أن هناك مخططا مصريا لتشويه صورة إسرائيل امام الشعب المصري ربما لتثبت السلطات المصرية انها لا تزال تمسك بزمام الأمور الأمنية في مصر.
وقد علق موقع دبكا الإسرائيلي الوثيق الصلة بالمخابرات الإسرائيلية علي حادث اكتشاف والقبض علي الجاسوس الإسرائيلي إيلان جرابيل ان هناك حملة غير مسبوقة في مصر ضد إسرائيل حيث جاءت قضية الجاسوس الإسرائيلي كواحدة من أربعة اتهامات كبري تواجهها إسرائيل من قبل مصر و تصل عقوبة بعضها إلي الإعدام من ضمن هذه الاتهامات اتهام إسرائيل بأعمال تجسس خلال الثورة كما تم اتهام الموساد بالتورط في إشعال الفتنة بين المسلمين والمسيحيين والعمل علي إفساد المحاصيل الزراعية المصرية ولأول مرة يتم ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اريئيل شارون كأحد المتهمين في صفقة الغاز التي أبرمت في عهد الرئيس المخلوع مبارك وقد أشارت مصادر امنية إلي أنه إذا كانت مصر قد أرسلت خطابا للولايات المتحدة الأمريكية يفيد بالقبض علي مواطن امريكي فسوف يكون جرابيل في هذه الحالة مواطنا أمريكيا متهما بالتجسس لصالح جهات اجنبية وتشير التقديرات الامريكية والإسرائيلية إلي ضرورة حل هذه القضية في اسرع وقت حيث إن استمرار التصريحات المعادية لإسرائيل واتهام جرابيل بزرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين سيصعب تحرير جرابيل قريبا في ظل الظروف التي تعيشها مصر حاليا ووصلت معلومات أمنية للموقع تفيد بأن القضية تناقش علي اعلي مستويات في الدول الثلاث حيث يباشر طنطاوي في مصر هذه القضية بنفسه.
أما جريدة معاريف فقد أشارت في تقرير أعدته حول هذه القضية إلي أن السلطات المصرية تريد أن تثبت للشعب المصري أنها لاتزال تمسك بزمام الأمور وأن المؤسسة الأمنية علي ما يرام لذلك فجرت هذه القضية في ذلك التوقيت بينما نقل التقرير عن مصدر امني غير إسرائيلي رفض ذكر اسمه أن مصر لا يمكن ان تفجر هذه القضية فقط من أجل استفزاز إسرائيل و أن القضية واضحة واتهام جرابيل بالتجسس صحيح ووفقا للمصادر الإسرائيلية فإن جرابيل هو مواطن امريكي وصل إلي إسرائيل عام 2004 للدراسة لمدة عام واحد في جامعة بن جوريون ببئر سبع ولكنه قرر في عام 2005 ان تتم إجراءات الهحرة الرسمية و الدائمة لإسرائيل.
أما جريدة هآرتس فقد أشارت إلي ان وزارة الخارجية الإسرائيلية توجهت عن طريق السفارة الإسرائيلية بمصر إلي السلطات المصرية بطلب للحصول علي معلومات حول القضية و حضور التحقيقات مع جرابيل لكن السلطات المصرية رفضت ووفقا للتقارير التي وصلت إلي تل ابيب من القاهرة فإن مصر فضلت أن تتعامل مع السفارة الامريكية في هذه القضية علي اعتبار ان جرابيل مواطن امريكي و بناء عليه قررت الخارجية الإسرائيلية عدم التدخل في هذه القضية حتي تتيح للولايات المتحدة الفرصة كاملة للتعامل مع مصر في هذه القضية.
