من أوجه الإعجاز العلمي للصيام (2)

أ.د. عبد الباسط محمد سيد

الوجه الثاني من أوجه الإعجاز العلمي للصيام (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) بعد أن أخبرنا الله سبحانه وتعالي, وأخبرنا رسوله صلي الله عليه وسلم أن الصيام يحقق لنا وقاية من العلل الجسمية والنفسية, ويشكل حاجزاً وستراً لنا من عقاب الله. أخبرنا جل في علاه أن في الصيام خيراً ليس للأصحاء المقيمين فقط, بل أيضاً للمرضي والمسافرين, والذين يستطيعون الصوم بمشقة ككبار السن ومن في حكمهم, قال تعالي:"أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو علي سفر فعدة من أيام أخر وعلي الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فـهو خـير لـه وأن تصومـوا خير لكم إن كنتم تعلمون " البقرة: 184.. أي فضيلة الصوم وفوائده. وذلك لعموم اللفظ في قوله تعالي: "وأن تصوموا خير لكم". وقد تجلت هذه الفوائد واستقر خبرها في زماننا هذا, لمن أوجب الله عليهم الصيام, ولمن أطاقوه من أهل الرخص, الذين يستطيعون تناول وجبتي الفطور والسحور كالأصحاء. بعض الأمراض الخطرة التي كان يخشي عليها من الصيام: كان ومازال الاطباء يعتقدون أن الصيام يؤثر علي مرضي المسالك البولية, وخصوصاً الذين يعانون من تكوين الحصيات, أو الذين يعانون من فشل كلوي فينصحون مرضاهم بالفطر وتناول كميات كبيرة من السوائل. وقد ثبت خلاف ذلك, إذ ربما كان الصيام سبباً في عدم تكوين بعض الحصيات وإذابة بعض الأملاح, ولم يؤثر الصيام مطلقاً حتي علي من يعانون أخطر أمراض الجهاز البولي, وهو مرض الفشل الكلوي مع الغسيل المتكرر. كان يعتقد أن الفقدان النسبي لسوائل الجسم وانخفاض عدد ضربات القلب وزيادة الإجهاد أثناء الصوم يؤثر تأثيراً سلبياً علي التحكم في منع تجلط الدم, وهو من أخطر الأمراض وقد ثبت أن الصيام الاسلامي لا يؤثر علي ذلك في المرضي الذين يتناولون الجرعات المحددة من العلاج. ثبت أن الصيام لا يشكل خطراً علي معظم مرضي السكر, إن لم يكن يفيد الكثيرين منهم. يعالج الصيام عدداً من الأمراض الخطيرة أهمها: 1) الأمراض الناتجة عن السمنة كمرض تصلب الشرايين وضغط الدم وبعض أمراض القلب. 2) يعالج بعض أمراض الدورة الدموية الطرفية مثل مرض الرينود ومرض برجر. 3) يعالج الصيام المتواصل مرض التهاب المفاصل المزمن (الروماتويد). 4) يعدل الصيام الإسلامي ارتفاع حموضة المعدة, وبالتالي يساعد في التئام قرحة المعدة مع العلاج المناسب. 5) لا يسبب الصيام أي خطر علي المرضعات, أو الحوامل, ولا يغير من التركيب الكيمائي أو التمثيل الغذائي في الجسم عند المرضعات, وخلال الشهور الأولي والمتوسطة من الحمل. 6) يمَكِّن الصيام آليات الهضم والامتصاص في الجهاز الهضمي وملحقاته من أداء وظائفها علي أتم وأكمل وجه, وذلك بعدم إدخال الطعام والشراب علي الوجبة الغذائية أثناء هضمها وامتصاصها. كما يتيح الصيام راحة فسيولوجية للجهاز الهضمي وملحقاته, وذلك بمنع تناول الطعام والشراب لفترة زمنية, تتراوح من 9-11 ساعة بعد امتصاص الغذاء كما تستريح آليات الامتصاص في الامعاء طوال هذه الفترة من الصيام. وتتمكن الانقباضات من تنظيف الأمعاء, من عملها المستمر دون توقف.. 7) يمَكِّن الصيام الغدد الصماء ذات العلاقة بعمليات التمثيل الغذائي, في فترة ما بعد الامتصاص, من أداء وظائفها في تنظيم وافراز هرموناتها الحيوية علي أتم حال, وذلك بتنشيط آليات التثبيط والتنبيه لها يوميا ولفترة دورية ثابتة, ومتغيرة طوال العام وبالتالي يحصل توازن بين الهرمونات المتضادة في العمل مثل هرموني النمو والأنسولين, كهرمونات بناء وهدم ،والذي يتوقف علي توازنها الدقيق تركيز الأحماض الأمينية في الدم, توازن التمثيل الغذائي. ينشط الصيام آليات البناء والهدم للجلوكوز, والدهون والبروتينات في الخلايا لتقوم بوظائفها علي أكمل وجه. فإذا اقتصر الجسم علي البناء فقط وكان همه التخزين للغذاء في داخله, فإن آليات البناء تغلب آليات الهدم, فيعتري آليات الهدم ضعف تدريجي تظهر ملامحه عند تعرض الجسم لشدة مفاجئة بانقطاع الطعام عنه في الصحة, أو المرض, فقد لا يستطيع هذا الإنسان مواصلة حياته, أو مقاومة مرضه. 9) يحسن الصيام خصوبة المرأة والرجل علي السواء. 10) يستفيد الإنسان من العطش أثناء الصيام استفادة كبيرة, حيث يساعد في إمداد الجسم بالطاقة وتحسين القدرة علي التعلم وتقوية الذاكرة. 11) تتهدم الخلايا المريضة والضعيفة في الجسم عندما يتغلب الهدم علي البناء أثناء الصيام, وتتجدد الخلايا أثناء مرحلة البناء. 12) كذلك فإن أداء الصيام الإسلامي طاعة لله وخشوعاً له, ورجاء فيما عنده سبحانه وتعالي من الأجر والمثوبة, لعمل ذي فائدة جمة لنفس الإنسان وجسمه, حيث يبث في النفس السكينة والطمأنينة, وينعكس هذا بدوره علي آليات التمثيل الغذائي فيجعلها تتم في أوفق وأيسر وأنفع السبل, ما يعود بالنفع والفائدة علي الجسم. إن الصيام كاقتناع فكري وممارسة عملية, يقوي لدي الإنسان كثيراً من جوانبه النفسية, فيقوي لديه الصبر والجَلَدْ وقوة الإرادة وضبط النوازع والرغبات, ويضفي علي نفسه السكينة والرضا والفرح .... وقد أخبر بذلك النبي صلي الله عليه وسلم فقال : " للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره, وإذا لقي ربه فرح بصومه". 13) ثبت بالدليل العلمي القاطع أن الصيام الإسلامي ليس له أي تأثير سلبي علي الأداء العضلي وتحمل المجهود البدني بل بالعكس, أظهرت نتائج البحث القيم الذي أجراه الدكتور أحمد القاضي وزملاؤه بالولايات المتحدة الأمريكية أن درجة تحمل المجهود البدني وبالتالي كفاءة الأداء العضلي قد ازداد بنسبة 200% عند 30% من أفراد التجربة و 7% عند 40% منهم, وتحسنت سرعة دقات القلب بمقدار 6% وتحسنت حصيلة ضغط الدم مضروبا في سرعة النبض بمقدار 12%, وتحسنت درجة الشعور بضيق التنفس بمقدار 9%, كما تحسنت درجة الشعور بإرهاق الساقين بمقدار 11%. وهذا يبطل المفهوم الشائع عند كثير من الناس من أن الصيام يضعف المجهود البدني, ويؤثر علي النشاط فيقضون معظم النهار في النوم والكسل.