عاصم الجوهري.. القصة الكاملة للمستشار الذي سجن الرئيس المخلوع وحاشيته.. وبرأ جاسوساً إسرائيلياً

جَّان بحكم القانون.. تلألأ نجمه وسطع في أيام بدت عصيبة فوق رؤوس ممثلي النظام المصري البائد الذين دارت بهم الأيام من أفضل الأحوال إلي أسوأ حال فبعدما كانت أسماؤهم تخيف الجميع ممن تتردد أمامهم ومواكبهم ثير الذعر لدي المواطنين أصبحت الأحوال غير ذلك فورود أسمائهم بات أمرا طبيعيا مقترنا بلفظ المتهم والمواكب الآن تسير في الخفاء خوفا من فتك الجماهير بهم.. كان الواحد منهم يتمني الموت ألف مرة ومرة عندما يسمع اسم صاحب الشخصية الذي لم يدخل إلي مكتبه أحد للتحقيق معه ويعود إلي منزله مرة أخري حتي أطلق عليه البعض أنه متعهد توريد الفاسدين إلي مثواهم الأخير في ليمان طره بعد محاصرتهم بوابل من الاتهامات التي يعجزون أمامها عن الفرار من المصير المجهول.. ولأن كل هذه الرؤوس تدرك تماما عقوبة مخالفة تنفيذ طلب الاستدعاء للمثول أمامه فلم يجرؤ أحد منهم علي ألا يلتزم بطلب الحضور الذي يخرج من مكتبه.. صاحب الشخصية أخذ نجمه يتصاعد في سماء الشهرة منذ ثورة الحرية التي قام بها الشباب المصري والذي أسقط فيها نظاما ظل متمسكا بمقاليد الحكم كاتما علي أنفاسهم أكثر من ربع قرن دون تغيير أو تطوير في الوقت الذي خسف فيه نجم شريكه في نشر العدالة النائب العام.. وهو أيضا من أعرب أبناء الشعب المصري عن حبهم ومدي تقديرهم لجهوده المكثفة لتحقيق العدالة من خلال قيامهم بتصميم صفحة علي الفيس بوك للتأكيد علي أنه يستطيع أن يهزم السلطة والنفوذ من خلال قراراته بحبس الفاسدين الذي امتلك لهم ملفات تؤكد فسادهم المالي والإداري.. إنه المستشار عاصم الجوهري مساعد وزير العدل لشئون جهاز الكسب غير المشروع.. الرجل الذي قرر حبس الفاسدين من مسئولي النظام السابق وكانت ضربة البداية بزكريا عزمي ثم صفوت الشريف ومن بعده فتحي سرور وعلاء مبارك وشقيقه جمال ووالدهما الرئيس السابق وحتي الآن لم تنته القائمة إلا أنه يتم إضافة آخرين إليها لحظة بعد الأخري بعدما تكتمل أركان الاتهامات التي يوجهها الجوهري للفاسدين.. وتاريخ الجوهري منذ أن اعتلي منصة القضاء يؤكد أنه يحترم القانون ويعمل من أجل نصرته وإعلاء كلمته ممن تسول لهم أنفسهم ممارسة الجرائم التي يحققون منها ثروات طائلة بطرق غير مشروعة مستخدمين نفوذهم وسطوتهم لتحقيق مآرب أخري.. وهو القاضي النزيه الذي رفض قضية للمخابرات العامة.. ففي قضية المتهم بالجاسوسية شريف الفيلالي رفض الرجل قضية المخابرات وتحرياتها والمطالبة بأقصي عقوبة للمتهم وقضي بإعفائه من العقوبة رغم ثبوت التهمة علي المتهم.. وهو نفسه من قضي بإخلاء سبيل محيي الدين الغريب وزير المالية الأسبق بعد أن قضت محكمة النقض بإلغاء حكم الإدانة الأول الذي صدر ضده وقررت إعادة المحاكمة من جديد.. والجوهري هو الذي أصدر بيانا بمجرد توليه المنصب بأن الشهادة التي منحها المستشار الشلقاني لمحمد إبراهيم سليمان بحفظ التحقيق معه ليست نهائية ولا تمنع إعادة فتح التحقيق من جديد، وذلك بعد تلويح إبراهيم سليمان بهذه الشهادة في مجلس الشعب. والمستشار الجوهري هو الذي عقد اجتماعا مع الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة وطالبهم بإجراء تحريات جديدة وشفافة حول ثروات كل المسئولين السابقين، مؤكدا الحاجة لاستقلال أجهزة الرقابة وتبعيتها للكسب غير المشروع والنيابة العامة وحدهما، لكنه لم يعلن ذلك في مؤتمره الصحفي حتي يعيد لهم الثقة بأداء عملهم الجاد بموضوعية بعيدا عن ادعاء البطولة أمام الفضائيات. والقاضي الجوهري هو الذي يتمسك بالتقاليد القضائية الراسخة بإعلان أي موقف في وقته ولحظته بعيدا عن الفضائيات، يبتعد الرجل عن الأضواء ويعلن نتائج التحقيقات كاملة للرأي العام في شفافية، لا يخفي حقيقة، ولا يسكت عن حقيقة، ولا يوجه اتهامات لأحد بدون دليل.
وللجوهري العديد من التصريحات الإعلامية التي أكد فيها أن جهاز الكسب غير المشروع الذي يشرف برئاسته لا يصدر قرارات بحبس أي متهم إلا بعدما يستند علي مجموعة من الأدلة والأوراق والمستندات والتحريات التي تؤكد تضخم ثروات الشخص المعني بشكل غير مشروع.. وهو أيضا من قطع الطريق أمام من تزعموا حملة للتشهير برجال القضاء فور نجاح ثورة يناير الماضي عندما أشاعوا أن مسئولي النظام السابق فوق القانون وليس لأحد أن يحاكمهم لكن الجوهري قال خلال إحدي لقاءاته قبل أن يقوم باستدعاء رموز النظام البائد إن ضمير القضاة لا تحكمه إلا العدالة وحدها.. وإنه سيعطي أي متهم حقه كاملا في الدفاع عن نفسه كما أنه سيتم السماح له بتقديم أي مستندات أو دفوع للرد علي كل الاتهامات التي يوجهها له الجهاز خلال التحقيقات.. وأغلق الجوهري الباب أمام الموالين للنظام الساقط عندما أكد أن مهمته الحقيقية تكمن في تحقيق العدالة وسيادة القانون إعمالا بالمقولة الشهيرة التي تؤكد أنه لا أحد فوق القانون مهما بلغ سلطانه ونفوذه والجميع أمام القانون سواسية.. وأنه لا فرق بين رئيس أو مرؤوس وإنما الفرق في أن يصبح هذا متهما أو ذاك بريئا.
وعن كيفية التزامه بتطبيق رسالته في ظل النظام السابق فكان للجوهري العديد من المواقف التي توضح أن الجهاز التزم بتطبيق القانون علي الجميع وكان شغله الشاغل يكمن في أن يكون سببا في حصول كل متهم علي حقه بدون أي ضغوط.. كما أنه صاحب التحدي الشهير بتاريخه خلال رحتله في القضاء والتزامه بنصوص القانون وعدم مخالفته لحساب أحد أيا كان منصبه.. وهو من نفي بالقطع أن يكون قد سمح لأحد أن يتدخل يوما في عمله أو أن يملي عليه قراراته.. وهو أيضا من حمد ربه لأنه لم يكن أداة في يد أحد يستخدمه لأن يكون سببا في اختلال ميزان العدالة بين يديه تحت أي ظرف.. وبعد نجاح ثورة الحرية التي قام بها شباب مصر الواعي خرج الجوهري علي الساحة مؤكدا أنه لن يحيد عن العدالة تحت أي ضغط قائلا إن القانون هو صاحب الكلمة العليا والجميع يجب أن يخضع له بسواسية وشفافية كاملة.
وعن الشائعات التي حامت حول جهاز الكسب غير المشروع ورجاله بوجود تباطؤ في سير التحقيقات مع رموز الفساد في النظام البائد أعلن الجوهري أن الجهاز يباشر أعمال التحقيق فقط دون أن يتدخل في التحريات التي تلتزم بها جهات رقابية مسئولة عنها.. ثم يأتي دور الجهاز برجاله فور ورود نتائج التحريات التي تؤكد صحة البلاغات الواردة للجهاز وعلي الفور يتم استصدار قرار استدعاء للمتهم بتضخيم ثروته بطرق غير شرعية للمثول أمام الجهاز وعند مخالفته لقرار الاستدعاء يتم إصدار قرار بضبطه وإحضاره.. وكان الجهاز قد تلقي العديد من البلاغات التي تقدم بها شباب الثوار والمواطنون بشأن تضخم ثروات مبارك والمسئولين السابقين بشكل غير مشروع حيث طلب الجهاز من الجهات المعنية بالتحريات وهي الأمن القومي والرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة اجراء التحريات حول ثرواتهم وبمجرد وصول التحريات واكتمالها تم استدعاؤهم واحدا تلو الآخر بداية من زكريا عزمي وصفوت الشريف وفتحي سرور ومرورا بنظيف ثم جمال مبارك وشقيقه علاء وانتهاء بالرئيس السابق حسني مبارك.
وكثيرا ما وقف الجوهري موضحا أن من يستدعيه للتحقيق لابد أن يمثل أمام المستشارين بهيئة الفحص والتحقيق بنفسه ولا يجوز أن يحضر وكيلا عنه.. ومن كان يرقد داخل مستشفي ولا يستطيع الحركة فيتم فحص حالته وإصدار القرار المناسب بشأنه.
وكشف الجوهري عن أن العقوبة التي تنتظر مرتكبي جرائم تضخم الثروة بشكل غير مشروع عندما تثبت بالأدلة تتمثل في الحبس بحد أقصي 15 سنة ليس هذا فقط وإنما يتم إلزام المتهم برد المبالغ التي حصل عليها بالطرق غير المشروعة وكذا تغريمه مبلغا ماليا مساويا لما حصل عليه من المال الحرام.. وفي حالة وفاته قبل أو أثناء أو بعد التحقيقات والمحاكمة فيلتزم ورثته برد ما حصل عليه من كسب غير مشروع.
وعن الأقاويل التي تداولتها الألسنة والخاصة بإعفاء أبناء المسئولين الذين يعملون في قطاع الأعمال الحرة ولا يخضعون لمراقبة جهاز الكسب غير المشروع أكد أنها عارية تماما من الصحة.. وأنه يمكن محاسبتهم ومحاسبة آبائهم عندما يثبت أن ما يمتلكونه من أموال وممتلكات جاءت نتيجة استغلالهم نفوذ الآباء ومناصبهم الكبيرة في الدولة.. حيث إن القانون يحاسب من حقق لنفسه أو لغيره كسبا غير مشروعا.. وعند ثبوت أركان الاتهامات يتم استدعاء الأبناء وتوجيه نفس الأسئلة التي تم توجيهها إلي الآباء والتي يأتي في بدايتها.. من أين لكم هذه الأموال وكيف حصلتم عليها ؟
ولأن البلاغات التي تلقاها الجهاز تزايدت عن الثلاثة آلاف في حين أن عدد المستشارين القائمين بمباشرة التحقيقات لا يكفي لهذا الكم من البلاغات وقال البعض إنه سيتم غض البصر عن العديد من البلاغات الواردة للجهاز إلا أن الجوهري خرج علي الساحة معلنا أنه فور ورود البلاغ للجهاز يتم إحالته إلي الأجهزة الرقابية للتحري عن صحة الاتهامات الواردة فيه حتي تكتمل أركان الاتهامات.. كما أن الجوهري نفسه توجه بمناشدة للمواطنين بالتقدم بما لديهم من مستندات تدلل علي صحة الاتهامات الموجهة لرموز الفساد في النظام المصري البائد ليتم استدعاء المتهمين.. والجوهري قال من قبل إنه يمكن له أن يستعين ببعض المستشارين عند إجراء التحقيق في القضايا كاملة لسرعة إنهاء التحقيقات.
والجوهري صاحب الجهود المكثفة التي يسعي من خلال رئاسته للجنة القضائية التي تم تشكيلها بقرار من المجلس الأعلي للقوات المسلحة لاتخاذ كافة الاجراءات المطلوبة لاستعادة الأموال المهربة للخارج لاستعادة الأموال المهربة إلي دول أجنبية وعربية حيث أرسل العديد من الخطابات لدول العالم المختلفة للمطالبة بتجميد أرصدة الرئيس السابق حسني مبارك ومسئولين سابقين في نظامه المخلوع بإرادة الشعب المصري وكانت نتيجة جهوده أن دول الاتحاد الاوروبي استجابت بالفعل.. وعلي الفور تم تنفيذ الاجراءات القانونية والقضائية داخل وخارج مصر لتتبع هذه الأموال والتمكن من استعادتها كما أن بعض الدول طلبت أن تسير الإجراءات في سرية تامة وهو ما التزم به الجانب المصري حتي تجد المهمة نجاحا ويتم استعادة الأموال.
وهو أيضا من وجه سؤالا لكل دول العالم عن حقيقة وقيمة الأرصدة بالبنوك والممتلكات التي تم تجميدها والتحفظ عليها كخطوة أولي.. ثم يبدأ بعدها في الاجراءات إعمالا ببنود الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التابعة للأمم المتحدة ببنودها الإلزامية والتي تعطي الحق للدول الموقعة عليها في تتبع الأموال المهربة منها علي يد أشخاص تابعين لها واستعادتها بعدما تتحقق أركان جريمة حصولهم عليها بطرق غير مشروعة.. وليس هذا فقط وإنما تعطي الحق للدول الموقعة عليها في تسليم أي متهم هارب.. مما يعطي أملا كبيرا في القبض علي الوزيرين الهاربين رشيد محمد رشيد ويوسف بطرس غالي.
وهو أيضا من نفي تدخل أحد في عمل الجهاز معلنا أنه لم ولن يقبل أي تدخلات.. وإنه إذا انتابه شعورا ـ لا قدر الله ـ بأن ميزان العدالة يمكن أن يختل بيديه في أي وقت فسوف يترك مكانه علي الفور بلا انتظار.. وهو كذلك من قال إنه يؤدي عمله لوجه الله والعدالة ولا ينتظر شيئا من ورائه وهذا كان نهجه طوال سنوات عمره ولن يحيد عنه أبدا بإذن الله حيث يترك الكلمة العليا للقانون وحده.
وعن إمكانية إعفاء بعض المتورطين أو المنتفعين من جرائم الكسب غير المشروع قال الجوهري إنه بنص مواد القانون أن من يقوم بالابلاغ عن الجريمة حتي لو كان قد استفاد منها فيتم إعفاؤه من العقوبة طالما أن إبلاغه كان عاملا مهما في الكشف عن خيوط الجريمة.. واتخذها الجوهري فرصة لدعوة الجميع لمساعدته في إعلاء كلمة الحق والابلاغ عن أي جريمة مؤكدا لهم أن القانون سوف يقوم بحمايتهم.. وتوعد لمن يثبت مشاركته في إخفاء ثمار أي جريمة بأنه لن ينجو من الحساب.
والجوهري هو نفسه القاضي الذي أثار بحكمه عندما كان رئيسا لمحكمة أمن الدولة العليا «طوارئ» بالقاهرة في قضية التخابر لصالح اسرائيل جدلا كبيرا في جميع الأوساط بمصر خاصة ان الحكم جمع خلاله إدانة الضابط الروسي عميل الموساد جريجوري جيفيتش بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه ألف جنيه كما أنه أصدر قرارا ببراءة المهندس المصري شريف فوزي الفيلالي وإعفائه من العقوبة بعدما اعتبره الجوهري بنص القانون مبلغا. وبشجاعته التي عرفته بها الأوساط المختلفة خرج معلنا عن قيامه بالإفراج عن المتهم الاول لنص الفقرة الثانية من المادة 84أ من قانون العقوبات لقيامه بالإبلاغ عن واقعة التخابر قبل علم السلطات المصرية بها رغم اشتراكه فيها وكشف عن أنه لدي دراسته للقضية تبين له أن المتهم أثناء لحظات سقوطه «التخابر» لم يكن الوطن خارج وجدانه.. وأنه كرئيس محكمة شعر بذلك من خلال أقوال المتهم الذي توجه إلي أحد المعاهد ليتعلم اللغة العبرية لكنه لم يستمر طويلا حيث أخبر اصحاب العمل أنه غير قادر نفسيا علي تعلم العبرية أو التعامل مع الدارسين بالمعهد.. وكانت الشائعات قد انطلقت عند إصدار الجوهري للحكم ووصفه بأنه سياسي إلا أن الرجل أكد أنه لم يتعرض لأي ضغوط من أي نوع.. واعتبره حكما فريدا من نوعه لافتا إلي أن حكمه بإعفاء الفيلالي لا يعني عدم ارتكابه للجريمة فهي ثابتة عليهما الاثنين لكنه استخدم الرخصة التي منحها له الدستور.