الدين يقول لك
"مبارك".. هل يكون "بن بلتعة"؟
انتشرت في الفترة الأخيرة مجموعة من المصطلحات التي تدعو إلي العفو عن المتهمين من رجال النظام السابق دون محاكمة تحت مفهوم العدالة الانتقائية والعدالة الانتقائية ومؤداها أن يتم تصالح بين الضحايا والمجرمين بشكل أو بآخر..
إلا ان الأمر تطور وأصبح أصحاب هذه الآراء يستشهدون بما كان من الصحابي الجليل حاطب بن بلتعة حين ارتكب خطأ محاولة ارساله رسالة إلي قريش يخبرهم باستعداد الرسول لفتح مكة.
أصحاب هذا الفكر يقولون: إذا كان الرسول قد صفح عن سيدنا حاطب فلِما لا نسامح مبارك ورجاله لأن مبارك شهد أكتوبر. كما شهد سيدنا حاطب بدر!! .. والرسول قد قال: لعل الله اطلع علي أهل بدر.. فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم.
في مؤتمره الذي عقده بمناسبة اعلان ترشيحه للرئاسة تحدث محمد صلاح زايد رئيس حزب النصر عن مفهوم العدالة الانتقالية التي يروّج له البعض الآن. وطالب بإعمال هذا المفهوم. كما بدأت بعض ورش العمل في بعض الأقطار العربية تتحدث عن ذلك.
الدكتور محمد نجيب عوضين أكد ان تعبير العدالة الانتقالية أو الانتقائية تعبير غير منضبط ويحمل شيئا مما يشير إلي ظلم ما في طياته وربما يريدون به العفو عند المقدرة.
لكن الإسلام لا يجيز العفو عن مجرم إلا إذا عفا المتضررون أنفسهم. كما ان هناك من الجرائم ما لايتم العفو فيها لارتكاب المجرم ما يوجب حداً مثل القتل مثلاً.
كما أن المحاربين لله وللرسول لا يتم العفو عنهم إلا إذا تابوا وأقلعوا عن جرائمهم قبل سقوطهم في أيدي العدالة.. وهو ما لايتوافر لمبارك الذي مازال مصراً ولا رجاله.
الدكتور أحمد أبوالنظر رئيس حزب نهضة مصر يقول: إن الدعوة إلي التسامح مقبول حتي يهدأ الوطن وتبدأ عملية البناء. كما انه لا يجوز التعامل بمنطق العقاب العام إلي التعامل مع كل من شارك في النظام السابق علي انه مجرم. ولكن في الوقت ذاته لا يجوز التسامح مع من ثبتت عليه الجرائم. فإذا تسامحنا كان الظلم بعينه. فمن أضر بمصلحة البلد لابد من عقابه. أما الناس العاديون الذين كانوا في مناصب معينة ولم يرتكبوا جرائم توجب عقابهم فلا يصح ملاحقتهم بالاتهامات أو نعتهم بأوصاف مثل الفلول وغيرها لأن الثائر الحق يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد. ويقول: إن بعض من ركبوا موجة الثورة ثبت انهم كانوا في طابور الفساد. إذن لابد من التعامل مع ما يحدث بحكمة.
الدكتور محمد مختار المهدي الرئيس العام لاتحاد الجمعيات الشرعية يقول متسائلاً: إذا كان مبارك من أهل بدر كما كان سيدنا بلتعة فعلينا أن نعفو عنه..!
ويندهش مما يقارنون بين مبارك الذي ارتكب من الجرائم ما لاتخطئه عين وبين صحابي جليل مثل سيدنا حاطب بن بلتعة.. فليس هناك أي تشابه مطلقاً بين ما وقع فيه سيدنا حاطب وبين جرائم مبارك التي لا تحصي.
ويحذر الدكتور مختار المهدي من السقوط في حبائل هذه الدعاوي التي تكرس الظلم. فالقرآن وضع القاعدة الذهبية في صلاح المجتمع علي لسان ذي القرنين -كما حكي القرآن- في قوله تعالي: "أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلي ربه فيعذبه عذاباً نكراً. وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسني وسنقول له من أمرنا يسرا". فهذه قاعدة إذا اختلت اختل المجتمع وهو ما وقع علي يد النظام السابق الذي حكم الهوي وضرب بالعدالة عرض الحائط فكان ما كان من معاناة وتأخر انتهي بالثورة المباركة.
يضيف ان معاقبة الظالم هو أول خيوط العدالة وإلا ضاع كل شيء.
أما الدكتور عبدالفتاح ادريس الأستاذ بجامعة الأزهر فيقول: إن سيدنا حاطب هم بجريمة لم تكتمل وقدم للرسول عذره ولم يكابر فتقبل الرسول صلوات الله وسلامه عليه الحجة.
أما ما فعله مبارك ورجاله فهو فوق ان يوصف حيث ارتكب جرائم توجب الحد وبعضها في حق الله وبعضها في حق العباد أفراداً وفي حق الوطن عامة. وفي حق العالم العربي والإسلامي.. فقد نكل مبارك ورجاله بالمجتمع فوق ما نكل فرعون وهامان وهو ما يسمي بالإفساد في الأرض.
يضيف: ان ما تم من افساد في الأرض علي يد مبارك ورجاله كان يمكن أن يتم العفو عنه في حالة توبتهم قبل الثورة وعودتهم إلي الجادة لقوله تعالي: "إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم". لكن ما نراه أن مبارك ورجاله لايزالون يكابرون ولا يزالون يفسدون في الأرض بما يفعلون من جرائم ضد الوطن وتجييشهم للبلطجية رغم وجودهم خلف القضبان. فلو اخرجوا لا ندري ما يمكن أن يفعلوه بالوطن.
أما سيدنا حاطب فلم يسفك دماً ولم يقتل أحداً. وإنما حاول افشاء سر ولم يكتمل فعله.
ويذكر الدكتور عبدالفتاح ادريس ما كان من سيدنا أبي لبابة الذي كان الحكم الذي اختاره بنو قريظة بينهم وبين الرسول بعد أن خانوا عهدهم مع الرسول ووافقوا علي حكم أبي لبابة. فذهب إليهم فقاموا إليه يبكون رجالهم ونساؤهم وأطفالهم. وسألوه ماذا سيصنع بنا "محمد" فأشار إلي رقبته. أي سيقتلهم.. في لحظتها أدرك أبولبابة أنه أخطأ. وما كان له أن يقول لهم ذلك. فذهب إلي الرسول معتذراً. فعفا عنه. لكن أقسم أن يربط نفسه بسارية المسجد لا يتناول طعاما ولا شرابا حتي يقضي الله فيه حكماً. فنزل العفو عنه وقبول توبته قرآناً يتلي. لأنه تاب لحظة أن علم.. علي عكس مبارك الذي لايزال يكابر.
الصفحة السابقة
الصفحة الرئيسية
